السوق السوداء تنغّصُ سهرات المهرجانات.. التذاكر في أيادي سماسرة !
تعود إلى الواجهة من جديد ظاهرةٌ ليست بغريبة عن المواطن التونسي، حيث تشهد السوق السوداء لبيع التذاكر انتعاشاً ملحوظاً، لا سيما مع اقتراب موسم المهرجانات الصيفية.
فمع انطلاق عملية بيع تذاكر السهرات الفنية للمهرجانات على المواقع الاكترونية المخصصة لذلك، نفدت تذاكر أهم السهرات خلال ساعات قليلة رغم ارتفاع أسعارها (50 و70 دينار للمدرجات و100 و150 للكراسي)، حتى أن بعض المواقع توقفت عن العمل نظرا للإقبال الكبير عليها.
وكالعادة وبمجرّد كتابة "SOLD OUT" على السهرة تنشط السوق السوداء، وتمتلئ صفحات الفيسبوك بعروض بيع التذاكر بأسعار خيالية تصل إلى 3 أضعاف في بعض الأحيان.
وفي غياب قوانين رادعة، لم يتوان البعض عن "نشر عروضهم" مستعملين حساباتهم الشخصية وأرقام هواتفهم وصورهم الشخصية، حتى أنّ البعض منهم فتح "مزاده العلني" بجانب شبابيك التذاكر داخل مدينة الثقافة.
هذه الظاهرة تطرح العديد من التساؤلات حول الإجراءات الرقابية التي تفرضها الجهات المنظمة للعروض والسهرات الفنيّة والسبل الكفيلة للتصدّي لممارسات احتكاريّة حرمت العديد من التونسيين من الترفيه وحتى من حضور حفل فنانيهم المفضّلين.
أسباب انتشار الظاهرة
تزامنا مع فصل الصيف تدبّ الروح في الحياة الثقافية والترفيهية، ويزيد الإقبال على الحفلات والمهرجانات، هذه الحركية ترتبط دائما بالسوق الموازية التي تستغل شغف التونسيين ورغبتهم في حضور حفلات فنانيهم المفضلين خاصة الأسماء الوازنة والنجوم العرب والأجانب على حدّ السواء لاستغلالهم وبيعهم تذاكر بأسعار مشطّة.
وأمام الفراغ القانوني، تنتعش السوق السوداء بشكل واضح وعلى مرأى الجميع، ففي تونس لا يوجد تشريع واضح يجرم بشكل صريح عملية بيع التذاكر بأكثر من سعرها الأصلي، مما يشجع المضاربين على الاستمرار في هذه الممارسات.
كما أنّ غياب الرقابة وعدم وجود آليات صارمة من قبل الجهات المنظمة أو المنظمين أنفسهم يسهل تداول التذاكر في السوق السوداء.
هل يوجد قانون يمنع السوق السوداء في تونس؟
لا يوجد قانون تونسي خاص يجرم بيع التذاكر بأسعار مشطّة بشكل مباشر. ومع ذلك يمكن تطبيق نصوص قانونية عامة لمحاربة هذه الظاهرة، مثل:
الفصل 152 من المجلة الجنائية الذي يعاقب على الاحتيال والغش إذا تم بيع تذاكر مزورة أو غير صالحة
قانون حماية المستهلك الذي يمكن أن يُستند إليه في حالات الاستغلال التجاري غير العادل
نصوص متعلقة بالتهريب والاتجار غير المشروع إذا تمت عمليات البيع خارج القنوات الرسمية
لكن تبقى هذه القوانين غير كافية لمواجهة الظاهرة بشكل فعال، مما يستدعي تدخل المشرع لإصدار قانون خاص يحدد سقفاً للأسعار ويمنع المضاربة على التذاكر.

كيف نتصدّى للسوق السوداء ؟
لمواجهة هذه الظاهرة بشكل فعال، لا بد من اعتماد خطة متكاملة، تبدأ بإصدار تشريع خاص وقانون ينص صراحة على منع المضاربة على التذاكر الثقافية والرياضية، مع تحديد عقوبات رادعة تتناسب مع حجم المخالفة، كغرامات مالية كبيرة أو حتى عقوبات جنائية في حال تكرار المخالفات.
ويتعين أيضا تعزيز آليات الرقابة على شبابيك البيع، وذلك عبر تحديد عدد التذاكر الأقصى الذي يمكن للفرد الواحد اقتناؤه، ووضع أنظمة تمنع الاحتكار من قبل سماسرة محتملين.
كما يمكن اعتماد نظام حجز إلكتروني يقوم بربط كل تذكرة بهوية مشتريها، على أن يكون هذا النظام مزوداً بآليات التحقق من الهوية عند الدخول إلى الحفل أو السهرة.
ومن المهمّ أيضا تحسيس المواطنين بمخاطر شراء التذاكر من "السوق السوداء"، وإبراز الجوانب السلبية لهذه الممارسات على كلّ القطاعات سواء الرياضية أو الفنيّة..

ظاهرة السوق السوداء للتذاكر في تونس ليست جديدة، لكنها تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب غياب التشريعات والرقابة ولمواجهة هذا الاستغلال يجب على الجهات الرسميّة التحرك سريعاً لوضع حد لهذه الممارسات.
المعالجة تتطلّب إرادةً جماعيةً تبدأ من التشريعات الرادعة، مروراً بآليات بيعٍ أكثر شفافية، ووصولاً إلى وعيٍ من المواطنين حتى لا تتحوّل مثل هذه المناسبات إلى سوقٍ للمضاربة والاستغلال.





*أميرة العلبوشي